تغير المناخ 2001: التخفيف
تقاريرخرى في هذه المجموعة

10-3 الارتباط بالخيارات القطرية والمحلية للتنمية المستدامة

يرجع الكثير من الالتباس فيما يتعلق بالتنمية المستدامة وتغير المناخ إلى عدم وجود ترتيبات تساعد صناع السياسات بالمعلومات الأساسية عن الخيارات البديلة المتوافرة، وكيفية تأثير هذه الخيارات على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الهامة والواضحة، وتعطيهم أيضا أساسا لتقييم أدائهم في تحقيق الأهداف والأغراض المقررة. وهكذا، يتضح أن المؤشرات لا غنى عنها لإعمال مفهوم التنمية المستدامة. وعلى المستوى القطري، اتخذت خطوات هامة باتجاه تعريف وتصميم مجموعات مختلفة من المؤشرات، ومع ذلك مازال هناك الكثير الذي ينبغي عمله لتدويل الأهداف المستدامة إلى علاقات عملية.

من الصعب التعميم فيما يتعلق بسياسات وخيارات التنمية المستدامة. فالاستدامة تنطوي على التنوع والمرونة والابتكار، وتحتاج إليهم. وخيارات السياسات تعني إدخال تغييرات على الأنماط التكنولوجية لاستخدام الموارد الطبيعية، والإنتاج والاستهلاك، وتغييرات هيكلية في نظم الإنتاج، وتوزيع السكان والأنشطة الاقتصادية على الأماكن المختلفة، وأنماط السلوك. وقد تعرضت الكتابات عن تغير المناخ للموضوعات الثلاثة الأولى عموما، بينما لم تحظ الخيارات والقرارات المتعلقة بأنماط السلوك والحياة إلا باهتمام ضئيل. فأنماط السلوك في البلدان الصناعية هي أحد الأسباب الهامة لتغير المناخ. وإذا غير الناس من أفضلياتهم، فسوف يقلل ذلك كثيرا من تغير المناخ. ولكن الناس لكي يغيروا أنماط استهلاكهم، فلن يكفي أن يغيروا سلوكهم، بل يجب أن يغيروا أنفسهم لأن أنماط السلوك عنصر أساسي في طريقة الحياة، وبالتالي في الإحساس بالحرية الشخصية. ومع ذلك- وبغض النظر عن تغير المناخ- فإن هناك أسبابا أخرى تدعو لذلك، بالإضافة إلى ما يتوافر من مؤشرات على أن هذا التغيير يمكن إحداثه بالطرق السياسية.

إن من أهم شروط التنمية المستدامة، القدرة على تصميم تدابير في مجال السياسات، تستطيع- دون عرقلة التنمية وبالاتساق مع الاستراتيجيات القطرية- استغلال التآزر المحتمل بين أهداف النمو الاقتصادي الوطني وبين السياسات التي تركز على البيئة. فاستراتيجيات تخفيف تغير المناخ تعطينا نموذجا واضحا لكيفية استفادة السياسات المنسقة من التآزر بين تنفيذ خيارات التخفيف وبين الأهداف العامة. فتحسين كفاءة الطاقة، بما في ذلك توفير الطاقة، والتحول إلى أنواع الوقود ذات المحتوى الكربوني المنخفض، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وظهور تكنولوجيات متقدمة غير تقليدية في مجال الطاقة، ينتظر أن يحدث تأثيرا ملموسا على الحد من الاتجاهات الفعلية لانبعاثات غازات الدفيئة. وبالمثل، فإن تطبيق التكنولوجيات وأساليب جديدة في الزراعة والأعمال الحرجية، واتباع عمليات للإنتاج النظيف، سيساهم بشكل كبير في جهود تخفيف الانبعاثات. واعتمادا على الإطار المعين الذي ستنفذ فيه هذه التكنولوجيات والعمليات، قد تنطوي هذه الخيارات على نتائج إيجابية أو على مضاعفة الأرباح، وهو أمر يستحق في بعض الأحيان القيام به سواء كانت هناك أسباب تتعلق بالمناخ أو لم تكن.

وتحتاج التنمية المستدامة إلى تغييرات جذرية في مجال التكنولوجيا وما يتصل بها، سواء في البلدان النامية أو المتقدمة. فالابتكارات التكنولوجية، والنقل والتنفيذ السريعين والواسعين للخيارات التكنولوجية الفردية، وكذلك النظم التكنولوجية الشاملة، تمثل كلها عناصر رئيسية في الاستراتيجيات العالمية لتحقيق تثبيت المناخ والتنمية المستدامة معا. ومع ذلك، فإن نقل التكنولوجيا يحتاج إلى أكثر مما تحتاجه التكنولوجيا نفسها. فالبيئة الملائمة لنجاح عمليات نقل التكنولوجيا وتنفيذها تلعب دورا هاما، وبالأخص في البلدان النامية. فإذا كان لنقل التكنولوجيا أن يجلب فوائد اقتصادية واجتماعية، فلابد له أن يراعي التقاليد والقدرات الثقافية المحلية، وكذلك الظروف المؤسسية والتنظيمية اللازمة لمعالجة التكنولوجيا وتشغيلها وتكرارها وتحسينها على أساس مستمر.

إن عملية إدماج وإدراج سياسات تغير المناخ والتنمية المستدامة في جداول أعمال التنمية القطرية، يتطلب استراتيجيات جديدة لحل المشكلات ومناهج جديدة لصناعة القرارات. وهي مهمة تنطوي على جهد مزدوج. فمن ناحية، نجد أن مناقشة التنمية المستدامة تحتاج إلى قدر أكبر من الصرامة التحليلية والفكرية (في الطرق والمؤشرات وغيرها) لتحويل هذه الفكرة من نظرية إلى تطبيق عملي. ومن ناحية أخرى، فإن مناقشة تغير المناخ تحتاج إلى معرفة مجموعة محدودة من الافتراضات وراء الوسائل والطرق المستخدمة في التحليل، ومضامين اجتماعية وسياسية للتركيبات العلمية لتغير المناخ. وقد شهدت السنوات الأخيرة، قدرا كبيرا من الأعمال التحليلية التي عالجت هذه المشكلة بشقيها. فقد جرى استكشاف مختلف للمناهج لتوسيع حدود الآراء الموحدة وأطر القرارات في معالجة مسائل عدم اليقين، والتشابك، والتأثيرات السياقية للتقييم البشري وصناعة القرارات. وهنا يظهر موضوع مشترك: التركيز على أطر صناعة القرار بالمشاركة لوضع ترتيبات مؤسسية جديدة.

10-4 أهم المسائل العلمية المتعلقة بالسياسات

تنطوي المستويات المختلفة للحدود المتفق عليها عالميا لتغير المناخ (أو لما يقابلها من تركيزات انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي) على ميزانيات مختلفة لتكاليف التخفيف والأضرار الصافية التي ستتعرض لها البلدان بصفة منفردة. وإزاء عدم اليقين هنا والتعلم في المستقبل، فإن تثبيت المناخ سيكون حتما عملية متكررة: فالدول تحدد أهدافها الوطنية بناء على وضعها وحساسيتها لتعرض البلدان الأخرى لتغير المناخ. ويخرج الهدف العالمي من تجميع الأهداف الوطنية، في المفاوضات العالمية التي ربما تشتمل على مدفوعات جانبية. وفي نفس الوقت، فإن الاتفاق على اقتسام الأعباء والهدف العالمي المتفق عليه، يحددان التكاليف القطرية. وبمقارنة الأضرار الصافية المتوقعة المرتبطة بالهدف العالمي، يمكن للدول أن تفكر في أهدافها الوطنية، وبالأخص مع توافر معلومات جديدة عن الأنماط العالمية والإقليمية وتأثيرات تغير المناخ. وتصبح هذه هي نقطة البداية في الجولة الثانية من المفاوضات. ويترتب على ما سبق أن وضع "رقم سحري " (أي حد أقصى لتغير المناخ العالمي أو تركيز انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي) سيكون عملية طويلة مصدرها الأول هو عملية السياسات، مدعومة- كما نأمل- بالتقدم العلمي.

إذا نظرنا إلى أهم الصعوبات في اتخاذ القرارات المتعلقة بتغير المناخ، تبرز لنا الاستنتاجات التالية (انظر أيضا الجدول TS-7):

وتتفاوت القرارات الخاصة بالتخفيف والتكيف فيما يتعلق بالتغير المناخي نتيجة النشاط البشري. فقرارات التخفيف تشمل عدة بلدان، وتوزع المنافع عالميا على امتداد سنوات تتراوح بين العقد والقرن (مع بعض المنافع الإضافية في الأجل القصير)، والدافع ورائها هو إجراءات السياسات العامة، وتقوم على المعلومات المتوافرة الآن، في الوقت الذي ستحتاج فيه اللوائح ذات الصلة إلى تنفيذ صارم. وفي مقابل ذلك، فإن قرارات التكيف تشمل فترة زمنية قصيرة بين الصرف عليها والحصول على عوائدها، وتظهر التكاليف ذات الصلة والمنافع محليا، كما أن تنفيذها تدخل فيه السياسات المحلية العامة والتكيف الخاص من جانب العناصر الاجتماعية المتضررة، وكلاهما يقوم على تحسين المعلومات. وتتفاوت القدرات المحلية على التخفيف والتكيف تفاوتا كبيرا من إقليم إلى آخر ومن وقت إلى آخر وتتوقف أي حافظة لسياسات التخفيف والتكيف على الأولويات المحلية والقطرية، والمناهج المفضلة بجانب المسؤوليات الدولية.

ونظرا للقدر الكبير من عدم اليقين الذي يتسم به كل عنصر من عناصر مشكلة تغير المناخ، فمن الصعب على صناع القرار أن يتوصلوا إلى مستوى مقبول عالميا لتثبيت تركيزات انبعاثات غازات الدفيئة اليوم. فالدراسات التي كانت موضع تقييم في الفصل 10 تدعم ما يقال بوضوح من أن الأهداف المنخفضة للتثبيت تنطوي على تكاليف مرتفعة للغاية للتخفيف وعلى قدر أكبر نسبيا من الطموح في تخفيض الانبعاثات في الأجل القصير من ناحية، ولكن الأهداف المنخفضة- كما ذكرت جماعة العمل الثانية- تحدث تأثيرات حيوية/ جغرافية طبيعية أقل كثيرا، وبالتالي لا تحدث سوى أضرار طفيفة وتكاليف ضئيلة للتكيف.



تقارير أخرى في هذه المجموعة